نابلس مدينة العلم والثقافة، قد تفتحت كزهرة تنفث عطرها من العلم والمعرفة على جيل جديد نشأ في أحضان فلسطين، واشبه بخلية نـحل تجمع حولها المثقفون والمفكرون فأنشأت جيلا جديدا يتغذى من صدرها الثقافة والحرية بمختلف أشكالها وألوانها، فكانت المكتبة العامة بجهود بلدية نابلس ومجموعة من الشخصيات الغيورة على نابلس لتنهض وتواصل نموها الثقافي والعلمي، ولتكون واحدة من أبرز وأهم المتغيرات والأحداث التي قامت بها بلدية نابلس، حيث أقيمت المكتبة في موقعها الهادئ في حديقة المدينة الجميلة التي عرفت بالمنشية، التي لم تكن لترقد طويلا وتحافظ على جمالها ومعالمها الطبيعية لولا احياء مكتبة بلدية نابلس لها، فهي ترقد وسط باقة من الاشجار وتدللها نافورة مياه عذبة وتطرب اذانها عصافير الدوري والسنونو، منظر حاكى جميع زوار هذه الحديقة لدرجة انها ابهرت سيدة الغناء العربي السيدة ام كلثوم ودفعتها لأداء احد وصلاتها الغنائية بين ثناياها.
نصف قرن ونيف، وهذا الصرح الثقافي الكبير يقف شامخا، ثابتا، يحتضن بين جوانبه أمانة الحفاظ على الإرث الثقافي، تلك الأمانة التي احتضنتها المكتبة في مسيرتها الممتدة، منذ أن جاء الإعلان الرسمي عن انشائها عام 1960 ليحدث انقلابا هاما ومتميزا على صعيد الحياة الثقافية في المدينة في مطلع الستينيات من القرن الماضي، ولعل ابرز ما ميز هذا القرار التاريخي الذي اتخذه المجلس البلدي في حينه والذي كان يرأسه المرحوم الدكتور أحمد السروري أنه احدث تغييرا ترك بصماته على أرض الواقع، وأضحت المكتبة موئلا للزائرين وملاذا للباحثين والدارسين وموئلاً للجمهور يعيشون من خلاله حياتهم الثقافية، وأضحت مؤسسة ثقافية تربوية حقة، يجتمع فيها من يريد علماً وثقافة وتسلية، أو ملتقى لتبادل الآراء الفكرية.
ومنذ إنشائها وحتى اليوم، خطت المكتبة العامة خطوات نوعية وكمية نحو الأفضل، مواكبه في ذلك الأسس العلمية والانظمة العالمية المتبعة في مجال الفهرسة والتصنيف، وتنظيم المكتبات حتى غدت مركزا ثقافيا مميزا في المدينة ورمزا من رموزها العلمية المشرقة والفاعلة، ومنبعاً صافياً يرتوي منه كل مواطن، وعملت البلدية ومجالسها المتعاقبة على إغنائها وتزويدها بكل جديد من الكتب والمجلات الثقافية والتجهيزات الحديثة، فكانت مكتبة عامة لكل ابناء وشرائح المجتمع، طلبة، ومدرسين، وموظفين، وربات بيوت، وعمال، وامتد فعلها وتأثيرها فساهمت في تأسيس جمعية المكتبات فصدر العدد الاول للجمعية في العام 1961 متضمنا تقريرا موسعا عن المكتبة.
وجدير بالذكر أن عدد موظفي المكتبة في السنوات الاولى من تأسيسها كان لا يتجاوز خمسة موظفين بما فيهم امين المكتبة حينها، الأستاذ عبد المنعم الفران، حيث وضع في هذه السنوات المنهج واللبنات الاساسية لعمل المكتبة واختير نظام (ديوي العشري) لتصنيف الكتب ووضعت انظمة فهرسة المكتبة.
وعلى الرغم من قلة أعداد الكتب في بداية مسيرتها، التي لم تتجاوز الألف كتاب مما تبرع به أهالي المدينة وأعضاء مجلس البلدية وموظفوها، الا أن المكتبة لم تلبث أن قفزت قفزات نوعية على كافة الأصعدة واستمرت بالتطور والازدهار سنة تلو الاخرى رغما عن كل الظروف الصعبة والتعديات التي مرت بها إبان الاحتلال.
ومما يدعو للافتخار أنه وضمن هذه الفترة القصيرة نسبياً لعمر المكتبات العالمية، الا انها استحقت ان تكون ملكة المكتبات العامة العاملة، ولا زالت، بزخم موادها وأوعية المعلومات فيها وتنوعها وتجددها ومستوى خدماتها وسير العمل فيها وكفاءة إدارتها وموظفيها بشهادة الجميع وشهادة الخبراء الذين زاروها.